ما وراء الإحصائيات

أنيل سوني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة منظمة الصحة العالمية يتحدث عن التبعات البشرية لتغير المناخ والدور الذي يمكن أن يلعبه العمل الخيري في تقديم المساعدة.

Shutterstock 1734259508 1

أنيل سوني هو الرئيس التنفيذي لمؤسسة منظمة الصحة العالمية. عمل أنيل لعقدين من الزمن في القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية من أجل توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. كما عمل في الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، وشغل منصب الرئيس التنفيذي لمبادرة كلينتون لإتاحة الرعاية الصحية فضلاً عن أحد كبار المستشارين لدى مؤسسة بيل وميليندا غيتس الخيرية.

إن تغير المناخ يحدث الآن وتتجلى آثاره في الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية المتطرفة والجفاف والفيضانات والعواصف غير المسبوقة. ونتيجة لذلك، بدأنا نشهد حالات تفشٍ للأمراض كانتشار الكوليرا في ملاوي اليوم الذي حدث بالفعل نتيجة الفيضانات في باكستان. وتؤدي هذه العواقب على الصحة بدورها إلى الهجرة حيث ينتقل الناس إلى مناطق أخرى لأن حقولهم لم تعد تنتج الغذاء كسابق عهدها، وأصبحوا بحاجة لالتماس المساعدة في أماكن أخرى. ونتيجة للهجرة تندلع النزاعات.

ويمكن تكون الإحصائيات التي نسمعها صادمة للغاية كفقدان سبعة ملايين شخص حياتهم سنوياً نتيجة لتلوث الهواء أو أن نصف سكان العالم يقطنون في مناطق معرضة لآثار تغير المناخ. وهذه الأرقام الهائلة يصعب فهمها واستيعابها.

دعوني أشارككم تجربة مؤثرة شهدتها خلال رحلتي الأخيرة إلى كينيا. كان هناك صبي صغير يخضع للفحوصات على يد أحد العاملين الصحيين. وعلمت أن وزن هذا الصبي هو نفس وزن طفلي، إلا أن عمره كان ضعف عمره، مما يعني أن الصبي سيتحمل تبعات سوء التغذية التي يعاني منها الآن مدى حياته.

هناك قصة ما وراء كل إحصائية. فكّر للحظة في أحب الأشخاص إلى قلبك - سواء كان هذا الشخص شريك حياتك أو والدك أو والدتك أو شقيقك أو شقيقتك أو صديقك أو طفلك – ثم تخيّل ما الذي ستشعر به في حال تأثرت حياة هذا الشخص بتغير المناخ. إن هذه الإحصائيات هي أحباء أشخاص آخرين.

"تم تطوير بعض الأدوية واللقاحات ضد الملاريا التي يتم توزيعها حالياً في مختلف أنحاء أفريقيا بفضل الجهود الخيرية".

أنيل سوني، الرئيس التنفيذي لمؤسسة منظمة الصحة العالمية

00341416

تم توسيع نطاق اختبارات الملاريا وتوفير اللقاحات بفضل التبرعات الخيرية. الصورة: شون ساتون/ بانوس. الصورة الرئيسية: جي بي راسل/ بانوس.

إذاً ما دور العمل الخيري هنا؟ اسمحوا لي أن أوضح ذلك في سياق خبرتي الممتدة على مدى 25 عاماً في مجال الصحة العالمية.

لقد كان العقدان الأخيران في مجال الصحة العالمية استثنائيين، فقد تم خلالهما تلقيح أكثر من مليار طفل ومعالجة عشرات الملايين من الأفراد من أمراض لم يتوفر علاج لها قبل 20 عاماً. ويُعزى هذا التقدم الملحوظ إلى حد كبير إلى العمل الخيري، الذي يتمتع بالقدرة على المخاطرة وابتكار تكنولوجيات جديدة وتوسيع نطاقها، ثم نقلها إلى الأسواق أو إلى القطاع العام من أجل تمويلها.

هذا ما نجح قطاع العمل الخيري في تحقيقه في مجال الصحة العالمية خلال العشرين عاماً الماضية، ونتيجة لذلك حافظنا على حياة الملايين من الأشخاص الذين لم يكن من الممكن أن يبقوا على قيد الحياة لولا ذلك. وتم تطوير بعض الأدوية واللقاحات ضد الملاريا التي يتم توزيعها حالياً في مختلف أنحاء أفريقيا بفضل الجهود الخيرية.

إذاً ما الذي يمكن أن يقدمه قطاع العمل الخيري للمناخ ولتقاطع المناخ والصحة؟ الجواب هو الكثير. فعلى سبيل المثال من المتوقع أن تنتشر أمراض مثل حمى الضنك على نطاق واسع بسبب تغير المناخ، مع ذلك فإن البكتيريا الموجودة بشكل طبيعي التي تسمى الولباخيا يمكن أن تقضي على انتقال حمى الضنك ولكننا بحاجة إلى الاستثمار الخيري لتوسيع نطاق هذه الاستجابة.

يمكن للعمل الخيري تمويل استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية في القارة الأفريقية، وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية الصحية لعدد أكبر من الأشخاص. وعلى غرار تجربة الأدوية المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية التي أعاقت تكلفتها المرتفعة في البداية قابلية التوسع، فإن التقنيات المختلفة تتطلب أيضاً الاستثمار من أجل تحقيق تأثير واسع النطاق.

فالتبريد النظيف، على سبيل المثال، سيكون مهماً جداً في مناطق مثل إندونيسيا والصين والهند. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الطلب على مكيفات الهواء سوف ترتفع أيضاً درجات الحرارة وانبعاثات الكربون. وعلى الرغم من أن التكنولوجيات متوفرة للتصدي لهذا التحدي، لكنها بحاجة إلى استثمار خيري من أجل توسيع نطاقها.

يقدم العمل الخيري عدة طرق لبدء العمل وخوض المخاطر المحسوبة. وأعتقد أن هذا هو الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه العمل الخيري في تلبية احتياجات المجتمعات المتأثرة بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم.

وقد لا يكون هذا هو الحل السحري. أدرك أن قادة الأعمال وروّاد العطاء يبحثون عن استثمارات ذات عوائد عالية. ونحن من دون شك بحاجة إلى هذه الاستثمارات. مع ذلك، يجب علينا أن نتأكد من توجيه الموارد نحو المجتمعات المحلية والأصلية الأكثر تضرراً، لكنها تمتلك أيضاً بعض أفضل الحلول نظراً لمعرفتها الوثيقة بالسياق المحلي.

واليوم يتمتع العمل الخيري بالقدرة على إحداث الفرق سواء في حياة المجتمعات المتضررة من تغير المناخ أو من خلال المساعدة في تطوير الأدوات والتقنيات التي يمكن للشركات والتمويل الحكومي المساهمة في توسيع نطاقها والتي يمكن أن تساهم بشكل كبير في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه، مما يؤثر تأثيراً مباشراً على الصحة.

هذا المقال هو نسخة مختصرة من كلمة أنيل الرئيسية في منتدى الأعمال الخيرية والمناخ الذي عقد على هامش مؤتمر الأطراف (COP28) في دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2023.