قلب الموازين

دينا زايد، خبيرة الاستراتيجات في مجال المناخ، تؤكد على أهمية استمرار تركيز رواد العطاء العرب على العمل المناخي بعد مؤتمر الأطراف COP28

Sander Weeteling Igdg F Mlwo Unsplash

الدكتورة دينا زايد هي مستشارة وخبيرة استراتيجيات عملت سابقاً كمديرة برامج لدى مجموعة التعاون في حالات الطوارئ المناخيةClimate Emergency Collaboration Group وهو صندوق خيري مشترك يركّز على تسخير الجهود المتعددة الأطراف من أجل عمل مناخي دولي طموح وعادل. وزايد حاصلة على درجة الدكتوراه من معهد دراسات التنمية بجامعة ساسكس ودرجة الماجستير في التغير البيئي والإدارة من جامعة أكسفورد.

حطّم العام الماضي جميع الأرقام القياسية المتعلقة بالمناخ تقريباً، في ظل تزايد الظواهر الجوية المتطرفة في جميع أنحاء العالم، لا سيما تساقط الثلوج بكثافة غير مسبوقة في لوس أنجلوس، والفيضانات الكارثية في ليبيا، والعاصفة الرملية الشديدة في بكين، وموجات الحر الحارقة التي ضربت جميع أنحاء أوروبا وتسببت بإشعال حرائق الغابات المدمرة.

وبعد أسابيع فقط من إعلان سلطان الجابر، رئيس مؤتمر الأطراف (COP28) الذي عقد مؤخراً في الإمارات العربية المتحدة عن التوصل لاتفاق يدعو للتحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري، تم التأكيد على أن عام 2023 كان العام الأكثر سخونة على الإطلاق.

وفي هذه المنطقة، حيث ترتفع درجات الحرارة بمعدل أسرع مرتين من المتوسط العالمي، زادت الكوارث المرتبطة بالمناخ ثلاث مرات تقريباً على مدى العقود الأربعة الماضية، حيث أصبح أكثر من 40 مليون شخص معرضين لتغير المناخ وباتت بعض المناطق تتعرض للجفاف لفترات أطول تصل إلى 10 أشهر إضافية سنوياً.

وفي منطقة تضم أكبر عدد من سكان العالم الذين يعانون من الإجهاد المائي وأكبر نسبة من اللاجئين والنازحين داخلياً، أتاحت استضافة مؤتمري الأطراف COP27 و COP28 فرصة لتسليط الضوء على أهمية التركيز على قضية تغير المناخ والطبيعة المتداخلة للضعف والتعرض للمخاطر.

وعلى الرغم من هذا الواقع، لا تزال منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتلقى أصغر حصة من التمويل الدولي لقضايا المناخ، إذ بالكاد تجاوز إجمالي هذا التمويل على مدى العقدين الماضيين الملياري دولار ودعم ما يزيد قليلاً عن 150 مشروعاً، ركّز الجزء الأكبر منها على جهود التخفيف من آثار تغير المناخ.

إذاً، ما هي الدروس التي يمكننا استخلاصها من استضافة مؤتمر الأطراف (COP27) في مصر ومؤتمر الأطراف (COP28)  في الإمارات العربية المتحدة لا سيما فيما يتعلق بفوائد الانخراط في الدبلوماسية المتعددة الأطراف؟ هل قامت الشركات المحلية ورجال الأعمال والمانحون والناشطون المدنيون بتوسيع نطاق اطلاعهم ومشاركتهم مع مجتمعات الممارسة الدولية؟

53379118543 D7592c27c1 C

يتعين على رواد العطاء وصانعي السياسات التعاون مع المنظمات على مستوى القواعد الشعبية لضمان أن يعود العمل المناخي المنصف بالفائدة على الجميع. الصورة: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ

تعد الجهود المتعددة الأطراف، لا سيما الفعاليات كمؤتمرات الأطراف، حاسمة الأهمية لمجموعات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم لتعزيز تأثيرها. تمنح هذه الفعاليات أيضاً مساحة للقادة الإقليميين للتواصل مع نظرائهم من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية من أجل تشكيل مجتمعات ممارسة ذات توجه عملي، وجمع المعلومات من مناطق وجهات معنية مختلفة وتحسين مهاراتهم في مجال المناصرة. كما أن مشاركة المجموعات المحلية والإقليمية بشكل نشط في الفعاليات المتعددة الأطراف من شأنه أن يساعد على تعزيز عدالة العملية الدولية فضلاً عن التأثير المحتمل لذلك على أرض الواقع وصلته الوثيقة بالواقع المعاش.

تعمل مؤتمرات الأطراف بمثابة منصات للإشارة إلى الأهداف والغايات الجماعية والمشتركة على الصعيد العالمي وصياغتها. كما أنها توفر لنا أدوات - على الأقل من الناحية النظرية - للدعوة إلى المزيد من الشفافية والمساءلة في تنفيذ الالتزامات والقواعد المتفق عليها.

والأهم من ذلك كله أن العملية الدولية مشبعة بالعمل الجماعي وتعمل على تعزيزه من خلال تسهيل إنتاج وتبادل المعرفة وتوفير فرص التعلم ذات الصلة التي تمكننا من تبادل الخبرات العملية، وتعميق الالتزام باتخاذ القرارات القائمة على الأدلة، ومواءمة الحقائق العلمية مع الطابع العملي لتصميم السياسات.

ومع تحرك قافلة مؤتمر الأطراف بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باتجاه أذربيجان، من المهم ألا نتخلى عن التقدم المحرز في تعزيز وتحديد مجالات حشد الدعم والتعبئة الواعدة من أجل تحقيق قدر أكبر من العدالة المناخية.

لقد تم تحقيق تقدم في تعميق توطين العمل المناخي، ومن المرجح أن تكون المشاركة الإقليمية في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ قد وصلت إلى ذروتها خلال فترة عامين.

لقد حان الوقت المناسب لأن تقوم المؤسسات الخيرية العربية بتكثيف التزامها ومشاركتها في التصدي لتغير المناخ، والاستفادة من هذا الزخم لتحفيز المبادرات الإقليمية التي تهدف إلى التصدي للاعتماد المعقد على الوقود الأحفوري في المنطقة وتغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية التي تقع في صميم نقاط الضعف العميقة والمتقاطعة في مواجهة حالات الطوارئ المناخية.

ولن يتسنى لنا معالجة أوجه التفاوت التاريخية في التمثيل والتأثير على الأجندات العالمية إلا من خلال دعم الجهود المحلية والإقليمية وفي الوقت نفسه الدعوة إلى المشاركة على المستوى الدولي.

"لا بد أن تسترعي تداعيات تغير المناخ تركيزنا في هذه المنطقة التي تتسم بمستويات عالية من عدم المساواة والتي يعيش فيها بعض أغنى سكان العالم جنباً إلى جنب مع أكثر الفئات ضعفاً على مستوى العالم".

تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعض أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد من الثروة، في الوقت الذي تفوق فيه الثروة التي يمتلكها أغنى ثلاثة أفراد في المنطقة مجموع ما يمتلكه أفقر مواطنيها البالغ عددهم 222.5 مليون نسمة.

من هنا لا بد أن تسترعي تداعيات تغير المناخ تركيزنا في هذه المنطقة التي تتسم بمستويات عالية من عدم المساواة والتي يعيش فيها بعض أغنى سكان العالم جنباً إلى جنب مع أكثر الفئات ضعفاً في العالم.

إن التصدي لتغير المناخ يتطلب إعطاء الأولوية لمبادئ العدالة والإنصاف، حيث يلعب قادة المؤسسات الخيرية والقطاع الخاص في المنطقة دوراً محورياً في الاستفادة من رأسمالهم الاجتماعي والمالي لدعم المشاريع التعاونية التي تعطي الأولوية لرفاه البشر قبل كل شيء.

تتطلب معالجة قضايا المناخ مجموعة متنوعة ومتشعبة من الحلول. ولدى النظر إلى الجهود الإقليمية التي بذلت خلال العامين الماضيين بشأن مؤتمرات الأطراف نجد أن قدراً كبيراً من القيادة موجود بالفعل على أرض الواقع، ولكن في كثير من الأحيان لم تتم ملاحظتها ولم تحظ بالاهتمام الكافي.

وكثيراً ما تكون هذه القيادة لا مركزية ومتفرقة وتتطلب دعماً مبتكراً وقابلاً للتكيف للمساعدة في سد الفجوات عبر مختلف المستويات والقطاعات. وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشمل ذلك معالجة قضايا مثل ندرة المياه ومساعدة السكان النازحين.

وفي حين أن مؤتمر الأطراف (COP28) ربما يكون قد انتهى وتحولت الأضواء بعيداً عن الحقائق والفرص المناخية في المنطقة، فإن الوقت المناسب لتكثيف القيادات والمؤسسات الخيرية تركيزها على العمل المناخي قد بدأ للتو.