العمل الخيري من أجل تغيير الأنظمة 

كيتلِن بارون، الرئيس التنفيذي لصندوق لومينوس في حوار مع دينا شريف، المدير التنفيذي لمركز ليجاتوم لروّاد الأعمال في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

Microsoftteams Image 8

كيتلن بارون هي الرئيس التنفيذي لصندوق لومينوس، وهي منظمة تعليمية دولية غير ربحية مكرسة لمنح الأطفال الأكثر ضعفاً والمحرومين من الالتحاق بالمدارس حول العالم فرصة ثانية للتعلم. ويعمل الصندوق، وهو إحدى المبادرات الخيرية لمؤسسة ليجاتوم، حالياً في إثيوبيا وغانا ولبنان وليبيريا وغامبيا. وقبل أن تعمل كيتلِن في صندوق لومينوس شغلت منصباً قيادياً بارزاً في مؤسسة مايكل وسوزان دِل الخيرية.

دينا شريف: حدثينا عن جهود صندوق لومينوس في العمل الخيري الذي يهدف إلى تغيير الأنظمة؟

كيتلِن: أطلقت مؤسسة ليجاتوم صندوق لومينوس لمعالجة مشكلة يبدو أنها مستعصية. فعلى الرغم من عقود من التقدم العالمي في توفير التعليم لكل طفل، لا تزال هناك معضلة مستمرة. فخلال السنوات الخمس عشرة الماضية لا يزال طفل واحد من كل عشرة أطفال يفتقرون إلى القدرة على الالتحاق بالتعليم.

وأصبح من الواضح أن معالجة هذه القضية بالطرق التقليدية لن يمكننا من الوصول إلى نسبة الـ 10 في المئة المتبقية من الأطفال الذين تحول ظروفهم القاهرة دون الالتحاق بالمدارس. وهكذا، قمنا بجمع أفضل وألمع الأفكار من المجتمعات والحكومات والمؤسسات الخيرية الخاصة لتحفيز الابتكار اللازم لتوفير التعليم للفئات الأكثر حرماناً.

نعلم أنَّ التعليم هو مسعى عالمي، ولكن في الوقت نفسه، ندرك أنه يتأثر بشدة بالعوامل والظروف المحلية. ولإيجاد حلول فعالة ودائمة في مجال التعليم، لا بد من العمل على المستويين العالمي والمحلي والنظر في الجوانب الشاملة للتعليم والخصائص الفريدة للمجتمعات وظروفها المحلية.

لقد أطلقنا صندوق لومينوس من منظور ’تغيير الأنظمة‘ هذا، مدركين أنه لا بد من التأثير على كلا المستويين من أجل تحقيق تغيير مستدام يعالج الأسباب الجذرية والأعراض معاً.

دينا: كيف تتعاملون مع الشراكات في صندوق لومينوس؟ وعلى وجه التحديد، كيف تتعاونون مع الحكومات المحلية وفي كثير من الأحيان، تكون هذه الحكومات جزءاً من المشكلة؟

كيتلِن: اعتقد أنه غالباً ما يُنظر إلى قضية التعليم في المقام الأول من خلال منظور ما هو الأفضل لأطفالنا ويغيب عن بالنا أنَّ التعليم عبارة عن مسعى سياسي بطبيعته.

ومن الناحية البيولوجية، يتبع الأطفال في جميع أنحاء العالم عموماً عمليات مماثلة لتعلم القراءة، لكن هذه العمليات تحدث ضمن بيئات ثقافية ووطنية متنوعة إلى حد كبير. ولذلك عند تمويل التعليم، لا بد من المزج بشكل متناغم بين هذه وجهات النظر العالمية والمحلية.

ولنقول بكل بساطة أن التعليم ليس المجال الذي يمكنك العمل على تطويره بفعالية دون شراكة وثيقة مع الحكومات. ولذلك نعقد في صندوق لومينوس شراكة محلية مع وزارة التعليم في كل بلد نعمل به. ويتمثل دور هذه الوزارات في الموافقة على مناهجنا الدراسية وإقرار محتواها ومد يد العون لنا في رسم المسارات التي يجب اتباعها.

إن مهمتنا هي مساعدة الأطفال الذين لم تتح لهم الفرصة للالتحاق بالمدرسة نهائياً، أو ربما بدأوا الدراسة لكنهم واجهوا صعوبات في التعلم مما دفع ذويهم إلى سحبهم منها. من هنا يجب علينا العمل بالشراكة مع الأنظمة المحلية حتى نتمكن من الوصول إلى هؤلاء الأطفال.

وفي معظم البلدان التي نعمل بها، وجدنا أن ليس هناك آلية تعين الأطفال على العودة إلى المدرسة بعد انقطاعهم عنها، وهنا تلعب شبكتنا من شركاء المجتمع دوراً حيوياً.

وليس لجهودنا أن تثمر عن أي حل عملي دون التعاون مع الحكومات المحلية، ولن يكون لمساعينا أثر يذكر على مستوى المجتمع المحلي إن لم نعمل جنباً إلى جنب مع المنظمات المجتمعية.

ولأضرب لك مثالاً عملياً عن ذلك، نقدم عبر صندوق لومينوس دورات تدريبية بتسع لغات. وما كنا لنخرج بالنتيجة التي نريد ما لم نتعاون مع المنظمات المجتمعية. فهذه المنظمات غير الحكومية المسجلة محلياً تشرف على الفصول الدراسية، مما يجعلنا نحدث أثراً مميزاً داخل تلك البلدان مقارنة بالمنظمات الأخرى في الخارج.

Microsoftteams Image (10) (1)

يقوم صندوق لومينوس بإعادة دمج الأطفال في المدارس الحكومية وتجهيزهم لرحلة التعلم مدى الحياة. الصورة: صندوق لومينوس.

دينا: وماذا في جعبتك لتخبرينا عن تكرار الفشل الذي تواجهونه عادةً عند محاولة العثور على الحل الصحيح أو الفعال في نهج تغيير الأنظمة المعقدة هذه؟

كيتلن: إنه سؤال مهم جداً! فنحن نقدِّم العون للطلاب الذين حرموا من اللحاق بالمدرسة، عبر تمكينهم من الانضمام لبرامجنا التعليمية التعويضية التي تمكنهم من اللحاق بأقرانهم. وتشمل هذه البرامج توفير التعليم للصفوف الابتدائية الثلاثة الأولى. وفي حين قد يبدو أن ذلك ينطوي على اتباع نهج موحد قابل للتطبيق في جميع أنحاء أفريقيا، غير أن الواقع أكثر تعقيداً بكثير. فكل حالة فريدة من نوعها ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع.

يتحسن أداؤنا في كل مرة نطلق فيها مبادرة في بلدٍ جديد، ولكن دعني أخبرك أن جهود فريق عمل خبرائنا تستغرق بين ستة إلى تسعة أشهر لتصميم ما يُفترض أنه المنهج التعليمي المثالي والمناسب لبلد بعينه، ونقوم حتماً في نهاية السنة الأولى من تطبيق هذا المنهج في كل بلد بإعادة صياغته بشكل كامل من جديد.

وهذا هو الوجه الحسن لنهج عملنا، فهو يمثِّل بيئة تجريبية فريدة من نوعها يمكننا فيها اختبار الأفكار الجديدة ومراقبتها، على عكس الحكومات التي تواجه صعوبات في تجربة الأفكار الجديدة، ويتعين عليها في كثير من الأحيان التعامل مع العواقب السياسية في حالة أثبت تطبيق تلك الأفكار فشله. كما من شأن الشراكات بين القطاعين العام والخاص كالشراكات التي نقوم بها نحن أن تخلق مساحة آمنة للحكومات تمكنها من تجربة أشياء جديدة وإيجاد نماذج تحقق نجاحاً عند تطبيقها.

Microsoftteams Image (12) (1)

يدير صندوق لومينوس برنامجاً مبتكراً للتعلم السريع مصمماً لتمكين الأطفال من اللحاق بالمستوى الدراسي المناسب لهم. الصورة: صندوق لومينوس.

دينا: ما هي الإرشادات التي تقدميها للأفراد أو المنظمات لتقييم وقياس نتائج مبادراتهم بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية؟

كيتلن: في مجال التعليم الدولي، وعندما يتعلق الأمر بالتقييم الخارجي والتجارب العشوائية المضبوطة (RCTs)، فهناك ما يلزم من التغطية المالية لها اليوم أكثر بكثير مما كانت عليه الحال قبل 10 أو 15 عاماً.

لذا، إذا كنت ترغب في إجراء هذا النوع من التجارب العشوائية المضبوطة والموثوقة النتائج، وهو ما فعلناه في منظّمتنا لومينوس عدة مرات، فيمكنك العثور على تمويل لذلك، وهو أمر مذهل لأن ذلك يمكن أن يكلف مئات الآلاف من الدولارات.

تكتسب هذه التجارب أهميّتها من أنّها يمكن أن تعطينا تصنيف المستوى الذي يصلح لمساعدة الأطفال الذين تحول ظروفهم القاهرة دون تعلمهم القراءة.

وحتى أفضل التقييمات الخارجية لا تعد ناجعة سوى لتقييم الأداء الذي تمَّ من قبل، ولا توفر معلومات آنية وجاهزة ليعمل المعلمون بمقتضاها، فهم يحتاجون إلى معالجة القضايا التي بين يديهم الآن في فصولهم الدراسية. فهؤلاء المعلمون يحتاجون إلى دعم أكثر ملاءمة في الوقت المناسب لمساعدة طلابهم على التعلم بشكل فعال.

ما تحتاج إليه بالفعل برنامج مبني على بيانات آنية عن الواقع، وبقدر ما هو صعب الحصول على تمويل لتقييم التأثير، فإنّه أصعب بأضعاف عديدة العثور على التمويل لبناء الأنظمة والعمليات والقدرات التي تمنحك القدرة على تقييم الموقف آنياً.

وما تريد الاطلاع عليه هو لوحة معلومات تبيّن الفصول الدراسية التي تبلي بلاءً حسناً وتلك التي تواجه تحديات، والمجالات التي تتطلب دعماً إضافياً.

ولتمويل هذا النوع من المبادرات، أنت بحاجة إلى دعم مالي غير مقيد، والذي كما نعلم، هو الأصعب في الحصول عليه. لذا، كانت واحدة من أعظم الهبات التي قدمتها مؤسسة ليجاتوم لصندوق لومينوس، هذا الاستثمار المرن، الذي يمكننا من بناء تلك الأنظمة التي تساعدنا ليس فقط على معرفة أن ما فعلناه العام الماضي قد أدى الغرض المرجو منه بفعالية، ولكنها تمنحنا أيضاً الثقة بأن ما نقوم به من تعليم للأطفال في غرفة الصف الآن يؤدي غرضه بفعالية أيضاً.

"إن مهمتنا هي مساعدة الأطفال الذين لم تتح لهم الفرصة للالتحاق بالمدرسة نهائياً، أو ربما بدأوا الدراسة لكنهم واجهوا صعوبات في التعلم مما دفع ذويهم إلى سحبهم منها".

دينا: ما مدى أهمية وجود مستثمر رئيسي أو شريك خيري مثل مؤسسة ليجاتوم للانطلاق في هذه الطريق من البداية؟

كيتلِن: أعتقد أنه من أروع ما يميَّز العمل الخيري التعاوني هو هذا الدور المحوري الذي يؤديه رواد العطاء والمحسنون. هناك بعض الشركاء الذين أتيحت لنا فرصة العمل معهم وهم متحمسون حقاً لتمويل مبادرات جديدة ولديهم روح المغامرة، فضلاً عن الطاقة والتحدي اللازمين لخوض هذه التجربة في إطلاق البرنامج في بلدان جديدة على سبيل المثال.

وكذلك هناك ممولون آخرون أكثر حذراً ربما ويفضلون تمويل النماذج المجرِّبة. فهم يريدون أن يلمسوا التأثير الذي ستحدثه تبرّعاتهم على الأطفال، وأجمل ما في هؤلاء الممولين أنهم جاهزون لدعم المبادرات الطويلة الأجل.

ننظر إلى العمل الخيري كأنه سلسلة حلقات متصلة أو كأجزاء للوحة متكاملة. لذا، فالتحدي هو أن تربط بانسجام بين رواد العطاء، والفرص أو المشاريع التي تتماشى مع مواهبهم وخبراتهم الفريدة، وتلبية توقعاتهم أيضاً من حيث التأثير الذي يريدون إحداثه.

إنّنا في صندوق لومينوس نمتلك ما يلزم من الوقت والحرية والمرونة لتيسير عملية التوفيق هذه بفضل دعم مؤسسة ليجاتوم السخي لنا.

هذه المقابلة هي نسخة مختصرة ومحررة من نقاش جرى خلال ندوة عبر الإنترنت من تنظيم منصة سيركل وضمت كل من: كيتلِن بارون، الرئيس التنفيذي لصندوق لومينوس؛ ودينا شريف، المدير التنفيذي في مركز ليجاتوم لرواد الأعمال في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ ونيك غرونو، الرئيس التنفيذي لصندوق الحرية؛ إيلين أغلر، الرئيس التنفيذي لصندوق إنهاء الأمراض المهملة The End Fund.

الصور مقدمة من صندوق لومينوس.